ما هي المقاربة بالكفاءات (2)؟ ولماذا هي ضرورة اليوم؟
recent
أخبار ساخنة

ما هي المقاربة بالكفاءات (2)؟ ولماذا هي ضرورة اليوم؟

ما هي المقاربة بالكفاءات (2)؟ ولماذا هي ضرورة اليوم؟ [شرح مفصل]
  ما هي المقاربة بالكفاءات (2)؟ ولماذا هي ضرورة اليوم؟

المقال (2): ما هي المقاربة بالكفاءات (APC)؟ ولماذا هي ضرورة اليوم؟ [شرح مفصل]

في المقال السابق، مهدنا الطريق لفهم التحول القادم في قطاع التكوين المهني. الآن، سنتعمق في قلب هذا التحول لنجيب عن سؤالين جوهريين: ما هي المقاربة بالكفاءات (APC) بدقة؟ ولماذا أصبح تبنيها اليوم ليس خيارًا، بل ضرورة حتمية؟

من المعرفة إلى الإنجاز: جوهر التحول

تخيل أنك تريد تعلم السباحة. هل يكفي أن تقرأ عشرات الكتب عن تقنيات الطفو وحركة الذراعين وقوانين أرخميدس؟ بالطبع لا. لن تصبح سبّاحًا إلا عندما تقفز في الماء وتجرّب بنفسك. هذا هو تمامًا الفرق بين التعليم التقليدي والمقاربة بالكفاءات.

المقاربة بالكفاءات تنطلق من مبدأ أساسي وعميق:

"لا يكفي أن يعرف المتربص المعلومة، بل يجب أن يعرف كيف يستخدمها لحل مشكلات حقيقية في بيئة العمل."

لقد انتقل التركيز من السؤال القديم "ماذا تعرف؟" إلى السؤال الحديث والعملي "ماذا تستطيع أن تفعل بما تعرفه؟". لم نعد نُكوّن "موسوعات متحركة" من المعلومات، بل "مهنيين فاعلين" قادرين على الإنجاز.

تفكيك مفهوم الكفاءة: أكثر من مجرد مهارة

قد يظن البعض أن الكفاءة هي مرادف للمهارة، لكنها في الحقيقة أوسع وأشمل بكثير. الكفاءة هي القدرة على تجنيد وتنسيق مجموعة متكاملة من الموارد لمواجهة وضعية مهنية بنجاح. هذه الموارد هي:

مثال توضيحي: كفاءة "تشخيص وإصلاح عطل في محرك سيارة"

لكي يكون الميكانيكي كُفؤًا، لا يكفي أن يمتلك المهارة اليدوية. هو يحتاج إلى تجنيد ثلاثة أنواع من الموارد في نفس الوقت:

  • الموارد المعرفية (Savoirs): فهمه النظري لمبادئ عمل المحرك، دور كل قطعة، كيفية قراءة المخططات الكهربائية، وما قد تسببه الأعطال المختلفة.
  • الموارد المهارية (Savoir-faire): قدرته العملية على استخدام أدوات الفحص، فك وتركيب القطع بشكل صحيح، وتطبيق تقنيات الإصلاح بدقة وسرعة.
  • الموارد السلوكية (Savoir-être): موقفه المهني. هل هو منظم في عمله؟ هل يتبع قواعد السلامة؟ هل يتواصل بوضوح مع الزبون لشرح العطل والتكلفة؟ هل يعمل بشكل جيد تحت الضغط؟

الكفاءة الحقيقية تظهر عندما يدمج الميكانيكي هذه الموارد الثلاثة معًا ليقدم حلاً كاملاً وموثوقًا للزبون. امتلاك المعرفة وحدها يجعله فيلسوفًا في الميكانيك، وامتلاك المهارة وحدها يجعله منفذًا للأوامر، لكن امتلاك الثلاثة معًا يجعله مهنيًا كُفؤًا.

لماذا الآن؟ الأسباب العميقة لاعتماد المقاربة بالكفاءات

التحول نحو المقاربة بالكفاءات ليس مجرد موضة بيداغوجية عابرة، بل هو استجابة لثلاثة تحديات كبرى:

1. استجابة لثورة سوق العمل

سوق العمل الحديث لم يعد يبحث عن موظفين يتبعون التعليمات فقط. إنه يبحث عن "حلالي المشكلات" (Problem Solvers). الشركات تريد أفرادًا يستطيعون التكيف مع التكنولوجيا المتغيرة، العمل ضمن فرق متنوعة، أخذ المبادرة، والابتكار. المقاربة بالأهداف كانت تُخرّج أفرادًا يعرفون "النظرية"، أما المقاربة بالكفاءات فتُخرّج أفرادًا يستطيعون "التطبيق" والمساهمة الفعالة منذ اليوم الأول.

2. سد الفجوة بين التكوين والواقع

كم من مرة سمعنا عن متربص متفوق في دراسته، يصطدم بالواقع عندما يدخل عالم الشغل؟ هذه الفجوة كانت نتيجة مباشرة للتركيز على الجانب النظري. المقاربة بالكفاءات تعمل كـ"محاكاة" للواقع المهني داخل مراكز التكوين. فالمتربص لا يتعلم عن المشاكل، بل يتعلم عبر حلها، مما يجعله أكثر استعدادًا وثقة عند مواجهة الميدان الحقيقي.

3. بناء شخصية مهنية متكاملة

الهدف ليس فقط بناء تقني ماهر، بل بناء إنسان مهني متكامل. عندما يواجه المتربص وضعيات-مشكلة، ويتعلم من أخطائه، ويعمل مع زملائه، ويقدم منتجًا نهائيًا، فهو لا يكتسب مهارة تقنية فحسب، بل يطور:

  • الثقة بالنفس: لأنه يرى نتيجة عمله ملموسة.
  • الاستقلالية والمسؤولية: لأنه هو الفاعل الأساسي في تعلمه.
  • روح المبادرة والابتكار: لأنه يُشجَّع على البحث عن حلول بدلاً من انتظارها.
  • مهارات التواصل والعمل الجماعي: لأن العديد من الوضعيات تتطلب التنسيق مع الآخرين.

في الختام، المقاربة بالكفاءات هي فلسفة تهدف إلى جعل التكوين المهني وثيق الصلة بالواقع، وموجهاً نحو الأداء، وممكّناً للمتربص. إنها تنقل العملية من مجرد "تعليم" إلى "تدريب وتأهيل" حقيقيين.

فهرس السلسلة: دليلك الكامل للمقاربة بالكفاءات

  1. المقاربة بالكفاءات في التكوين المهني: دليلك الشامل خطوة بخطوة
  2. أنت تقرأه الآن:ما هي المقاربة بالكفاءات (APC)؟ ولماذا هي ضرورة اليوم؟
  3. 5 مفاهيم أساسية يجب أن تعرفها في المقاربة بالكفاءات
  4. الفرق الجوهري بين المقاربة بالأهداف والمقاربة بالكفاءات
  5. أدوار الفاعلين في المقاربة بالكفاءات: من هو الأستاذ الجديد؟
  6. كيف تبني الكفاءة؟ المراحل الأربع الأساسية في التكوين
  7. الوضعية التعلمية مقابل الوضعية الإدماجية: ما الفرق وكيف نستخدمهما؟
  8. كيف تعد بطاقة درس فعالة وفق المقاربة بالكفاءات؟
  9. شبكة التقويم: كيف تقيّم الكفاءة بشكل موضوعي ودقيق؟
  10. دليلك العملي لتخطيط وتنفيذ حصة تكوينية ناجحة
google-playkhamsatmostaqltradent