المقال (3): 5 مفاهيم أساسية يجب أن تتقنها في المقاربة بالكفاءات
لكي تبحر بثقة في عالم المقاربة بالكفاءات، يجب أن تمتلك "بوصلة" ترشدك. هذه البوصلة هي مجموعة من المفاهيم الأساسية التي تشكل لغة هذه المنهجية وقلبها النابض. في هذا المقال، سنقوم بتشريح خمسة من أهم هذه المفاهيم، ليس فقط لتعريفها، بل لفهم دورها العملي في بناء حصصك التكوينية.
1. الكفاءة (La Compétence) - القدرة على الفعل
الكفاءة هي المفهوم المركزي والأسمى. إنها ليست معلومة تحفظها، بل هي قدرة متكاملة على التصرف بفعالية ونجاح في مواجهة عائلة من الوضعيات المهنية المعقدة. الكفاءة لا تُرى بالعين، بل يُستدل عليها من خلال إنجاز ملموس.
الفكرة الجوهرية: نحن لا نقيس ما "يعرفه" المتربص في رأسه، بل ما "ينجزه" بيديه وعقله. إنها تتجسد في الفعل، لا في الذاكرة.
مثال: كفاءة "إدارة حملة تسويقية عبر وسائل التواصل الاجتماعي" لا يمكن قياسها بامتحان كتابي حول نظريات التسويق. بل نراها عندما يقوم المتربص فعلياً بتحديد الجمهور، تصميم الإعلانات، إطلاق الحملة، وتحليل نتائجها.
2. المورد (La Ressource) - ذخيرة الكفاءة
إذا كانت الكفاءة هي الجيش، فالموارد هي الجنود والأسلحة والذخيرة. المورد هو أي عنصر يمكن للمتربص استدعاؤه وتجنيده لإنجاز مهمة ما. لا قيمة للموارد إذا بقيت مكدسة ومنفصلة؛ قيمتها تظهر عند استخدامها لحل مشكلة.
تنقسم الموارد إلى ثلاثة أنواع رئيسية:
- موارد معرفية (Savoirs): هي قاعدة المعرفة النظرية. تشمل الحقائق، المفاهيم، القوانين، والنظريات. (مثال: معرفة معايير السلامة الكهربائية).
- موارد مهارية (Savoir-faire): هي "الكيفية" أو الإجراءات العملية. تشمل التقنيات، طرق العمل، واستخدام الأدوات والبرامج. (مثال: كيفية توصيل قاطع كهربائي).
- موارد سلوكية (Savoir-être): هي المواقف والقيم المهنية. تشمل الدقة، التنظيم، احترام الوقت، التواصل، والعمل الجماعي. (مثال: الحفاظ على نظافة مكان العمل بعد الانتهاء).
3. الوضعية التعلمية (Situation d'Apprentissage) - ورشة البناء
هي سيناريو تعليمي مُصغّر، مُخطط له بعناية من طرف الأستاذ، ويهدف إلى تحقيق غرض محدد: مساعدة المتربص على اكتساب مورد جديد أو التدرب على مهارة جزئية. إنها ليست درساً تلقينياً، بل هي "مهمة" أو "تحدٍ" يتفاعل معه المتربص لإنتاج شيء ما، تحت إشراف وتوجيه الأستاذ.
مثال (تخصص تجميل): يُطلب من المتربصات تطبيق نوع محدد من طلاء الأظافر (French Manicure) على يد اصطناعية، مع التركيز على دقة الخطوات ونظافة الأداء. الهدف هنا هو إتقان مهارة (مورد) محددة.
4. الوضعية الإدماجية (Situation d'Intégration) - الاختبار الحقيقي
بعد بناء الجدار لبنة لبنة (عبر الوضعيات التعلمية)، تأتي الوضعية الإدماجية لتختبر صلابة الجدار بأكمله. هي وضعية-مشكلة مركبة وشاملة، تحاكي الواقع المهني، وتُطرح على المتربص لتقييم مدى قدرته على تجنيد وإدماج عدة موارد مختلفة بشكل مستقل لحل مشكلة حقيقية.
الفارق الرئيسي: في الوضعية التعلمية، الأستاذ يساعد ويوجه. أما في الوضعية الإدماجية، فالأستاذ يلاحظ ويقوّم، ويتدخل بأقل قدر ممكن.
مثال (تخصص تجميل): "استقبال زبونة حقيقية تطلب خدمة عناية كاملة باليدين والأظافر بمناسبة حفل. عليكِ تشخيص حالة الأظافر، اقتراح الخدمة المناسبة، تنفيذها (برد، طلاء، ترطيب)، وتقديم نصائح للعناية المنزلية". هنا، على المتربصة إدماج مهارات تقنية، معارف حول المنتجات، ومهارات تواصل وسلوك مهني.
5. الأداء (La Performance) - الدليل الملموس
الأداء هو الإنجاز الفعلي والقابل للملاحظة والقياس الذي يقوم به المتربص في لحظة معينة. عندما ننظر إلى المنتج النهائي (شبكة مركّبة، تقرير مكتوب، طبق مُعدّ)، فنحن لا نرى الكفاءة مباشرة، بل نرى "أداءً" يدل عليها. الأداء هو الدليل المادي الذي نستخدمه لتقييم الكفاءة.
الكفاءة هي "القدرة على الطهي". الأداء هو "الطبق الذي قدمه المتربص اليوم". قد يكون أداؤه اليوم ممتازًا، وغدًا متوسطًا بسبب ظروف معينة. مهمة الأستاذ هي تحليل هذا الأداء لتقديم تغذية راجعة تساعد على تحسين الكفاءة بشكل مستمر.
إتقان هذه المفاتيح الخمسة سيمنحك الثقة والوضوح في تحويل فصولك الدراسية وورشتك إلى بيئات تعلم حقيقية تبني الكفاءات، لا المعلومات فقط.