مشروع التكوين (Projet de Formation): وثيقة الربط بين واقع المهنة وهندسة البرنامج التكويني
ضمن الإطار المنهجي للمقاربة بالكفاءات (APC) في الجزائر، والذي يهدف إلى تحقيق المواءمة بين التكوين واحتياجات سوق العمل، تبرز مرحلة تصميم مشروع التكوين (Conception du projet de formation) كحلقة وصل محورية وحاسمة. هذه المرحلة، التي تقع بين تحليل واقع المهنة (RMC) وإعداد البرنامج الدراسي المفصل (Programme d'études)، تُعتبر "المرحلة المفصلية" التي تضمن المواءمة بين المعلومات الواردة من القطاع المهني والاستجابة التي يقدمها قطاع التكوين. ينتج عن هذه المرحلة وثيقة استراتيجية تُعرف بـ "مشروع التكوين"، وهي التي تُرسي أسس البرنامج الدراسي وتحدد معالمه الكبرى قبل الشروع في تفاصيله البيداغوجية.
1. ما هو مشروع التكوين وما هي وظيفته؟
مشروع التكوين هو وثيقة تحدد هيكل البرنامج الدراسي المستقبلي وتُقرر أهدافه وكفاءاته المستهدفة. لا يتم نشر هذا المشروع كوثيقة مستقلة، بل يُستخدم كأداة عمل داخلية لفرق التصميم وكوسيلة تواصل مع الشركاء للتحقق من صحة الخيارات البيداغوجية قبل إقرارها النهائي. وظيفته الأساسية هي ترجمة المعلومات الوصفية للمهنة، الموجودة في المرجع المهني للكفاءات (RMC)، إلى كفاءات قابلة للتكوين والتقييم.
تتكون وثيقة مشروع التكوين من العناصر التالية:
- أهداف البرنامج (Buts du programme): وهي تعبر عن النتائج الكلية المنتظرة من التكوين.
- قائمة الكفاءات المقترحة (Liste des compétences): وهي قائمة بالكفاءات التي تم اختيارها لتكون أهدافاً للبرنامج الدراسي.
- جدول المطابقة (Table de correspondance): وهو أداة لتبرير اختيار الكفاءات الخاصة عبر ربطها بالمهام والعمليات المذكورة في المرجع المهني للكفاءات.
- مصفوفة الكفاءات (Matrice des compétences): وهي أداة مرئية تُنظم الكفاءات وتوضح العلاقات بينها وبين مراحل عملية العمل، وتحدد تسلسل اكتسابها.
2. عملية تصميم مشروع التكوين: من التحليل إلى البناء
تبدأ عملية تصميم مشروع التكوين مباشرة بعد الانتهاء من إعداد المرجع المهني للكفاءات (RMC). يقوم فريق التصميم، المكون من متخصص في إعداد البرامج (SEP) ومكونين ذوي خبرة في المهنة، بتحليل معمق لجميع المعلومات الواردة في هذا المرجع.
أ. تحديد الكفاءات المستهدفة:
يقوم الفريق بتحديد فئتين رئيسيتين من الكفاءات:
- الكفاءات الخاصة (Compétences particulières): وهي الكفاءات المرتبطة مباشرةً بتنفيذ مهام المهنة. يتم اشتقاقها بشكل أساسي من تحليل "جدول المهام والعمليات" في المرجع المهني للكفاءات. غالباً ما تكون هناك علاقة مباشرة بين مهمة واحدة وكفاءة خاصة واحدة، ولكن في بعض الأحيان، قد تؤدي مهمة معقدة إلى اشتقاق عدة كفاءات، أو قد يتم دمج عدة مهام بسيطة في كفاءة واحدة.
- الكفاءات العامة (Compétences générales): وهي كفاءات قابلة للتحويل وتدعم تعدد المهارات. تُشتق من تحليل الأنشطة المهنية الأوسع نطاقاً والمعلومات الواردة في أقسام "الوصف العام للمهنة"، "الشروط ومعايير الأداء" و"المعارف والمهارات والسلوكيات" في المرجع المهني للكفاءات. تهدف هذه الكفاءات إلى تحقيق الأهداف العامة للتكوين المهني المتعلقة بالتكامل المهني، التطور الشخصي، والقدرة على التنقل المهني.
ب. بناء جدول المطابقة ومصفوفة الكفاءات:
بمجرد تحديد قائمة أولية للكفاءات، يقوم الفريق ببناء أداتين أساسيتين:
- جدول المطابقة (Table de correspondance): يوضح هذا الجدول العلاقة بين كل كفاءة خاصة مقترحة والمهام أو العمليات التي تبرر وجودها في المرجع المهني للكفاءات. كما يقدم "مؤشرات" أولية حول محتوى الكفاءة، والتي ستُستخدم لاحقاً في صياغة الأهداف العملياتية في البرنامج الدراسي.
- مصفوفة الكفاءات (Matrice des compétences): هي الأداة الأهم في مشروع التكوين. إنها جدول مرئي يضع الكفاءات الخاصة على المحور العمودي والكفاءات العامة وعملية العمل على المحور الأفقي. تُستخدم هذه المصفوفة لتحديد تسلسل اكتساب الكفاءات (من البسيط إلى المركب)، والروابط الوظيفية بين الكفاءات المختلفة، وتحديد المدة الزمنية التقديرية اللازمة لاكتساب كل كفاءة.
ج. صياغة أهداف البرنامج:
يقوم الفريق أيضاً بصياغة أهداف البرنامج (Buts du programme). تبدأ هذه الصياغة بالتعريف العام للمهنة كما ورد في المرجع المهني للكفاءات، وتُستكمل بدمج الأهداف العامة الأربعة للتكوين المهني (جعل الشخص فعالاً، تسهيل التكامل المهني، تعزيز التطور الشخصي، وتشجيع التنقل المهني).
3. مرحلة التحقق والمصادقة: ضمان الملاءمة والواقعية
بعد إعداد النسخة الأولية لمشروع التكوين، تأتي مرحلة حاسمة وهي التحقق (Validation). يتم عرض المشروع على لجنة تضم ممثلين من عالم الشغل (يفضل أن يكونوا قد شاركوا في إعداد المرجع المهني للكفاءات) وممثلين من عالم التكوين (مدراء، مكونون، إلخ). تهدف هذه المرحلة إلى الحصول على إجابات لثلاثة أسئلة جوهرية:
- الملاءمة (Pertinence): هل الكفاءات المقترحة تتناسب فعلاً مع واقع المهنة كما تم وصفه في المرجع المهني للكفاءات؟
- التماسك (Cohérence): هل تسلسل اكتساب الكفاءات منطقي؟ وهل العلاقات بين الكفاءات المختلفة واضحة ومتماسكة؟
- الجدوى (Applicabilité): هل يمكن تطبيق هذا المشروع في الواقع؟ هل المدة الزمنية المخصصة كافية؟ وهل الموارد المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ التكوين متوفرة بشكل واقعي؟
بناءً على الملاحظات والآراء التي يتم جمعها خلال هذه الجلسة، يقوم فريق التصميم بإجراء التعديلات اللازمة على مشروع التكوين. هذه العملية تضمن أن البرنامج الدراسي الذي سيتم إعداده لاحقاً سيكون مبنياً على أساس متين ومقبول من جميع الأطراف المعنية.
4. دور مشروع التكوين في بناء وثائق البرمجة اللاحقة
يُعتبر مشروع التكوين هو المخطط الذي يُبنى عليه البرنامج الدراسي (Programme d'études). العناصر التي تم تحديدها والمصادقة عليها في مشروع التكوين، مثل قائمة الكفاءات، مصفوفة الكفاءات، وأهداف البرنامج، يتم تحديثها ودمجها مباشرة في الجزء التقديمي من البرنامج الدراسي.
- قائمة الكفاءات تصبح هي الأهداف الإلزامية للبرنامج.
- مصفوفة الكفاءات تُستخدم كأساس لبناء المخطط الانسيابي (Logigramme) الذي يوضح التسلسل البيداغوجي لتقديم الوحدات (Modules).
- الروابط الوظيفية المحددة في المصفوفة تُترجم في صياغة الأهداف العملياتية للكفاءات الخاصة، حيث يتم دمج متطلبات من الكفاءات العامة أو من مراحل عملية العمل.
ختاماً، يمثل مشروع التكوين مرحلة فكرية وتنظيمية لا غنى عنها في هندسة البرامج التكوينية. إنه يضمن أن الانتقال من توصيف المهنة إلى تحديد أهداف التكوين يتم بطريقة منهجية، شفافة، وتشاركية. من خلال تحديد الكفاءات المستهدفة، تنظيمها في بنية متماسكة، والتحقق من ملاءمتها مع الشركاء، يضع مشروع التكوين الأساس لبرنامج دراسي فعال يلبي حقاً طموحات المتكونين ومتطلبات سوق الشغل على حد سواء.